قال: (وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد بإسناده عن وهب بن منبه -وهذه هي الرواية الموقوفة- قال: (إن الله تعالى قال لموسى عليه السلام حين كلمه: اعلم أن من أهان لي ولياً أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة، وعاداني، وعرض نفسه ودعاني إليها، وإن أسرع شيء إليَّ نصرة أوليائي) ) ولا يبعد أن مثل هذا المعنى العظيم الشريف الجليل يقوله الله تبارك وتعالى لعدد من أنبيائه، ويبلغه لهم جميعاً، فيكون ما نقله وهب بن منبه -وهو من علماء أهل الكتاب- مثل ما ورد عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، فإن الأنبياء دينهم واحد، فهو سبحانه سريع الانتقام، وسريع النصرة، وليست تلك السرعة بمفهومنا نحن، وإنما هي كما يشاء، (( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ))[الحج:47]، فهو يستدرجهم من حيث لا يعلمون.
قال -وتأمل هذه المعاني العظيمة- ( ( أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي ) ) أي: أيظن الذي يحارب الله أنه سيصمد أمام حرب الله، وأمام قوة الله؟! ( أو يظن الذي يعاديني أنه يعجزني )، وهذا ظن كثير ممن يحاربون الله، فيظنون أنهم يعجزونه، وهم لا يعجزونه تبارك وتعالى، ( أم يظن الذي يبارزني أنه يسبقني، أو يفوتني )، لا أبداً مهما ذهب، مما خلق الله تعالى ما من دابة إلا وهو آخذ بناصيتها، فيمهله كما يشاء، ثم يأخذه.
قال: ( وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة، فلا أكل نصرتهم إلى غيري )، فلا يكل سبحانه نصرة أوليائه إلى غيره، فهو يتولاهم بنفسه، فهذا هو معنى: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ).
ثم قال رحمه الله تعالى -وهذا تنبيه عظيم مهم-: واعلم أن جميع المعاصي محاربة لله تعالى، فمحاربة الله ليست فقط بمحاربة أوليائه؛ لا، بل كل المعاصي والذنوب هي محاربة لله، لكن ذكر هذا الحديث لبيان قيمة أولياء الله، وقدر أولياء الله عنده، وليس في بيان قيمة وقدر وخطر وضرر الذنوب والمعاصي، فكثير من الناس يظن أنه إذا صلى أو صام، ويعد نفسه من أهل الإيمان والإسلام أنه يجوز له أن يفعل بأولياء الله ما يشاء، فجاء التحذير من معاداة أولياء الله، وأن ذلك محاربة لله.
قال الحسن البصري -وعلى كلامه دائماً قبس من نور النبوة-: [ ابن آدم -أي: يا ابن آدم!- هل لك بمحاربة الله من طاقة، فإن كل من عصى الله فقد حاربه ] وكلما كان الذنب أقبح كانت المحاربة لله أشد؛ ولهذا فأعدى أعداء الله تبارك وتعالى هم الكفار: اليهود ، و النصارى ، والمشركون من المجوس وغيرهم، أي: كل الكفار، ثم أهل البدع المغلظة العظيمة، وأهل الكبائر والموبقات الكبيرة، فهؤلاء أعدى أعداء الله، والعداوة درجات كما أن الولاية درجات.
قال: (ولهذا سمى الله تعالى أكلة الربا، وقطاع الطريق محاربين لله تعالى، ورسوله؛ لعظم ظلمهم لعباده، وسعيهم بالفساد في بلاده) الطائفة الأولى: هم أكلة الربا، كما في قوله تعالى: (( فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ))[البقرة:279]. والطائفة الأخرى: هم المحاربون قطاع الطريق، كما في قوله تعالى: (( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا ))[المائدة:33].
إذاً: فأكلة الربا، وقطاع الطريق يحاربهم الله تعالى؛ لأن فسادهم عظيم جداً، فكل الذنوب والكبائر خطر وضرر؛ لكن أكل الربا ماحق الربا ويربي الصدقات، فيدمر المجتمعات تدميراً كاملاً، وإن أمهلهم، وإن أملى لهم، وكذلك قطاع الطريق الذين يقطعون السبيل، فهذا ذنب عظيم شنيع، تترتب عليه المفاسد الجمة: من السرقة والاعتداء على الأعراض، وإخافة للمؤمنين، ومحاربة لأولياء الله وغيرها من الذنوب، والعياذ بالله.
قال: (وكذلك معاداة أوليائه كما جاء في هذا الحديث).
أي: أن معاداة أولياء الله هي حرب، فسمى الله تعالى من يعادون أولياءه محاربين له أيضاً.
يقول: (فإنه تعالى يتولى نصرة أوليائه، ويحبهم، ويؤيدهم، فمن عاداهم فقد عادى الله تعالى وحاربه، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الله الله في أصحابي؛ لا تتخذوهم غرضاً، فمن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه )، خرجه الترمذي وغيره).
وهذا دليل على فضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولا شك في ذلك، وقد قررنا أن أفضل الأولياء بعد الأنبياء هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك تأمل كيف مسخ الله تعالى الروافض ؛ ببعضهم ومعاداتهم للصحابة، ولعنهم لهم، فهم أمة ممسوخة كـاليهود ، ولو رأيتم اليهود وأزياءهم، ولباس علمائهم، وما يفعلونه عند الحائط الذي يسمونه: حائط المبكى؛ ورأيتم الرافضة ، وشيوخهم، وهيئتهم؛ لقلتم: إن هؤلاء من هؤلاء، وإذا رأيتم وجوههم لقلتم: إن هؤلاء من هؤلاء، وإذا رأيتم طباعهم لقلتم: هؤلاء من هؤلاء، وإذا دخلتم إلى أحيائهم ورأيتم قذاراتها ونتانتها لقلتم: إن هؤلاء من هؤلاء، فقد مسخ الله الروافض ؛ لأنهم عادوا أفضل أولياء الله بعد الأنبياء وهم: الصحابة، فانطبق عليهم مثل هذا الحديث.